أخبار الصحةتشوهات العظام والتقوس

دوران القدمين للداخل عند الأطفال (Intoeing): ، العلاج، والجلوس بوضعية W

دكتور محمود عبد الله

دوران القدمين للداخل عند الأطفال (Intoeing): دليلك الشامل

 

دوران القدمين للداخل، المعروف طبياً باسم Intoeing gait، هو أحد أكثر الحالات شيوعاً التي تُثير قلق الآباء والأمهات خلال السنوات الأولى من عمر الطفل. غالباً ما يُلاحظ الآباء أن أقدام طفلهم تتجه إلى الداخل أثناء المشي، وقد يرافق ذلك تفضيل الطفل للجلوس على الأرض بوضعية فريدة تُشبه حرف “W”. رغم أن هذه الظاهرة طبيعية في معظم الحالات وتتحسن تلقائياً مع نمو الطفل، إلا أن فهم أسبابها وطرق التعامل معها يُعد أمراً ضرورياً لتحديد ما إذا كانت تحتاج إلى تدخل طبي.

في هذا المقال الشامل، سنتعمق في كل ما يخص دوران القدمين للداخل عند الأطفال، بدايةً من الأسباب المختلفة المرتبطة بالعمر، مروراً بعلاقة هذه المشكلة بوضعية الجلوس “W”، وصولاً إلى طرق التشخيص والعلاج الحديثة.

دوران القدمين للداخل
دوران القدمين للداخل

للتواصل واتساب

أسباب دوران القدمين للداخل: تختلف باختلاف العمر

 

يختلف السبب وراء دوران القدمين للداخل تبعاً لعمر الطفل ومرحلة نموه. تحديد السبب بدقة يساعد في تحديد المسار الصحيح للعلاج أو الطمأنة بأن الحالة طبيعية:

  • في مرحلة حديثي الولادة والرضع (من عمر الولادة إلى 1 سنة):
    • اعوجاج القدم للداخل (Metatarsus Adductus): يُعد هذا السبب الأكثر شيوعاً في هذه المرحلة العمرية. يحدث نتيجة وضعية الجنين داخل الرحم، حيث تتجه مقدمة القدم نحو الداخل. غالباً ما يكون هذا الاعوجاج مرناً ويتحسن بشكل تلقائي دون الحاجة إلى علاج. في حالات نادرة جداً، قد يحتاج الطبيب إلى استخدام جبيرة مؤقتة أو حذاء طبي خاص لمساعدتها على العودة إلى وضعها الطبيعي.
  • في مرحلة الأطفال الصغار (من عمر 1 إلى 3 سنوات):
    • زيادة الدوران الداخلي لعظمة القصبة (Tibial Torsion): في هذه المرحلة، قد يكون الدوران الداخلي لعظمة القصبة هو السبب. تُصبح الساق بأكملها، بما فيها القدم، متجهة للداخل. هذا الأمر طبيعي في كثير من الأحيان ويعكس نمو الطفل وتطوره الحركي، وعادة ما يتحسن مع اكتسابه المهارات الحركية كالركض والقفز.
  • في مرحلة ما قبل المدرسة والطفولة المبكرة (من عمر 3 سنوات فما فوق):
    • زيادة دوران عظمة الفخذ للداخل (Femoral Anteversion): تُعد هذه الحالة السبب الأكثر شيوعاً لدوران القدمين للداخل في هذه المرحلة العمرية. تحدث نتيجة وجود دوران زائد في عظمة الفخذ، مما يجعل مفصل الورك بأكمله يدور للداخل. هذا الدوران هو ما يجعل الطفل يفضل الجلوس بوضعية حرف “W”، لأنها توفر له ثباتاً وراحة أكبر.

 

علاقة وضعية الجلوس بحرف “W” بدوران القدمين

 

إن وضعية الجلوس بحرف “W”، حيث يجلس الطفل على الأرض مع ثني الركبتين والساقين للخارج، ليست بحد ذاتها سبباً لدوران القدمين، بل هي نتيجة لزيادة دوران عظمة الفخذ للداخل. هذه الوضعية توفر للطفل قاعدة واسعة ومتوازنة، مما يسهل عليه اللعب والتحرك.

مخاطر الاستمرار بوضعية “W” لفترات طويلة:

  • زيادة توتر العضلات الداخلية: يمكن أن يؤدي الاستمرار في هذه الوضعية إلى زيادة شد العضلات الداخلية للفخذ، مما يعزز من المشكلة الأساسية.
  • تأخر المهارات الحركية: قد يؤثر على تطور بعض المهارات الحركية الدقيقة والتوازن، حيث يعتمد الطفل على ثباته بدلاً من استخدام عضلاته للحفاظ على التوازن.
  • تفاقم دوران الفخذ: على الرغم من أن الحالة تتحسن تلقائياً في معظم الأوقات، فإن الجلوس المستمر بوضعية “W” يمكن أن يؤخر عملية التصحيح الطبيعية.

لهذا السبب، ينصح الأطباء بتشجيع الطفل على تغيير وضعيات جلوسه بشكل متكرر، وتجنب الجلوس بوضعية “W” لفترات طويلة.

 

تشخيص دوران القدمين للداخل: متى يجب استشارة الطبيب؟

 

في غالبية الحالات، يكفي الفحص السريري الدقيق من قبل طبيب العظام لتشخيص الحالة وتحديد السبب الرئيسي. نادراً ما يتم اللجوء إلى الأشعة السينية، وذلك فقط في الحالات التي يكون فيها الدوران شديداً أو مصحوباً بأعراض أخرى مثل الألم أو صعوبة المشي.

يجب استشارة الطبيب في الحالات التالية:

  • إذا كان الدوران يؤثر على قدرة الطفل على الحركة أو يسبب له تعثراً وسقوطاً متكرراً.
  • إذا كان الدوران يظهر في ساق واحدة فقط.
  • إذا كان هناك ألم في القدم أو الساق أو الفخذ.
  • إذا لم تتحسن الحالة بعد بلوغ الطفل 8-10 سنوات.
  • إذا كان هناك فرق واضح في طول الطرفين السفليين.

 

خيارات العلاج المتاحة

 

يتمثل النهج العلاجي في معظم الأحيان في الملاحظة والتوعية، مع التدخل الجراحي كخيار أخير ونادر جداً:

  • العلاج غير الجراحي (التحفظي):
    • التوعية والتثقيف: شرح طبيعة المشكلة للأهل وطمأنتهم بأنها غالبًا ما تتحسن مع مرور الوقت.
    • تصحيح أوضاع الجلوس: تشجيع الطفل على الجلوس بوضعيات بديلة مثل وضعية “التربع” أو الجلوس على كرسي.
    • العلاج الطبيعي: قد يُوصى ببعض التمارين البسيطة لتقوية العضلات الخارجية للفخذ، لكن فعاليتها في تصحيح الدوران الأساسي محدودة.
    • الحذاء الطبي والجبائر: لم تُثبت الدراسات الحديثة فعالية كبيرة للأحذية أو الجبائر في تصحيح الدوران النابع من عظمة الفخذ أو القصبة، لذلك لا يُنصح بها في معظم الحالات.
  • العلاج الجراحي:
    • يُعد هذا الخيار نادراً جداً ولا يُلجأ إليه إلا في حالات استثنائية. تُجرى الجراحة في حال استمرار المشكلة إلى ما بعد عمر 10 سنوات، وإذا كانت تسبب إعاقة وظيفية واضحة تؤثر على جودة حياة الطفل، مثل صعوبة المشي الشديدة أو السقوط المتكرر.

 

خاتمة: رسالة طمأنة للآباء

 

إن دوران القدمين للداخل ووضعية الجلوس بحرف “W” شائعان جداً في مرحلة الطفولة، وهما في غالب الأحيان جزء طبيعي من عملية النمو والتطور. يجب على الأهل أن يكونوا ملاحظين وصبورين، وأن يركزوا على تشجيع الطفل على تبني وضعيات جلوس صحية.

في النهاية، إذا استمرت مخاوفكم أو لاحظتم أي أعراض غير طبيعية، فإن مراجعة طبيب عظام الأطفال المتخصص هو الخطوة الأهم والأكثر حكمة للحصول على التشخيص الدقيق والمشورة الصحيحة.