عملية تغيير مفصل الحوض: الأسباب، الأنواع، ومراحل التعافي الكامل
دكتور محمود عبد الله
عملية تغيير مفصل الحوض: دليل شامل لاستعادة الحركة والتخلص من الألم
تُعد عملية تغيير مفصل الحوض (Hip Replacement Surgery) واحدة من أكثر جراحات العظام شيوعًا ونجاحًا في جميع أنحاء العالم. على مدار العقود الماضية، شهدت هذه الجراحة تطوراً مذهلاً، وتحولت من مجرد عملية لتخفيف الألم إلى تدخل جراحي يعيد للمريض قدرته على الحركة والمشي، ويحسن من نوعية حياته بشكل جذري. تهدف هذه العملية إلى استبدال المفصل التالف بمفصل صناعي (Prosthesis) يؤدي وظيفته بشكل طبيعي، مما يسمح للمريض بالعودة إلى أنشطته اليومية دون معاناة.

لمحة تشريحية: فهم مفصل الحوض
يُصنف مفصل الحوض على أنه مفصل كروي حُقّي (Ball and Socket Joint)، وهو يربط بين عظمة الفخذ (Femur) والحوض (Pelvis). يتكون المفصل من جزأين رئيسيين:
- رأس عظمة الفخذ: وهو الجزء الكروي.
- التجويف الحُقّي: وهو الجزء الذي يشبه المقبس في عظمة الحوض.
يُغطي كلا السطحين غضروف أملس يمنع الاحتكاك. يتميز هذا المفصل بقدرته على تحمل وزن الجسم بشكل كامل، وفي الوقت نفسه يسمح بحرية كبيرة في الحركة، مما يمكننا من أداء مهام مثل المشي، الجلوس، والانحناء.
أسباب ودواعي إجراء عملية تغيير مفصل الحوض
يلجأ الأطباء إلى عملية تغيير مفصل الحوض عندما تفشل جميع العلاجات غير الجراحية، مثل الأدوية، والعلاج الطبيعي، والحقن، في تخفيف الألم المزمن أو استعادة الحركة المفقودة. من أهم الأسباب التي تستدعي هذا الإجراء:
- خشونة مفصل الحوض (Osteoarthritis): يُعد هذا السبب الأكثر شيوعاً. مع تقدم العمر، يتآكل الغضروف الذي يحمي أسطح المفصل، مما يؤدي إلى احتكاك العظم بالعظم. يسبب هذا التآكل ألماً شديداً وتصلباً في المفصل، مما يجعل أبسط الحركات مؤلمة.
- التهاب المفاصل الروماتويدي (Rheumatoid Arthritis): هو مرض مناعي ذاتي يهاجم فيه الجهاز المناعي بطانة المفاصل، مما يسبب التهاباً مزمناً وتورماً، ويؤدي إلى تآكل غضروف وعظام المفصل بمرور الوقت.
- كسور عنق الفخذ: تُعتبر هذه الكسور شائعة جداً، خاصة في كبار السن المصابين بهشاشة العظام. في العديد من الحالات، يكون استبدال المفصل حلاً أفضل وأسرع من محاولة تثبيت الكسر.
- نخر رأس عظمة الفخذ (Avascular Necrosis): يحدث عندما يتوقف إمداد الدم إلى رأس عظمة الفخذ، مما يؤدي إلى موت العظم وانهياره. قد ينجم هذا النخر عن إصابة، أو استخدام طويل للستيرويدات، أو الإفراط في تناول الكحول.
- التشوهات الخلقية أو أمراض المفاصل الوراثية: مثل خلل التنسج في مفصل الورك (Hip Dysplasia) أو بعض الحالات النادرة الأخرى التي تتسبب في تآكل مبكر للمفصل.
أنواع عمليات تغيير مفصل الحوض ومكوناته
تختلف أنواع عمليات تغيير مفصل الحوض حسب حالة المريض وتاريخه المرضي:
- تغيير مفصل الحوض الكلي (Total Hip Replacement): هي العملية الأكثر شيوعاً، وتتضمن استبدال كلا الجزأين التالفين للمفصل: رأس عظمة الفخذ والتجويف الحُقّي في الحوض، بزراعات صناعية.
- تغيير مفصل الحوض الجزئي (Partial Hip Replacement): تُجرى هذه العملية في حالات محددة، عادةً لكسور عنق الفخذ في كبار السن. يتم فيها استبدال رأس عظمة الفخذ فقط، بينما يُترك التجويف الحُقّي سليماً.
- تغيير مفصل الحوض السطحي (Hip Resurfacing): هي تقنية حديثة تُستخدم للمرضى الأصغر سناً والأكثر نشاطاً. بدلاً من إزالة رأس عظمة الفخذ بالكامل، يقوم الجراح ببرد سطحه وتغطيته بقبعة معدنية. تُعتبر هذه العملية أقل تداخلاً وتحافظ على عظم الفخذ الأصلي.
مكونات المفصل الصناعي: يتكون المفصل الصناعي من عدة أجزاء رئيسية:
- الجزء الكروي (Ball): يُصنع عادةً من المعدن القوي (مثل الكوبالت-كروم) أو من السيراميك، ويتم تثبيته على الجزء العلوي من الساق المعدنية.
- التجويف (Socket): يتكون من جزء معدني يتم تثبيته في الحوض، مع بطانة داخلية من البلاستيك (البولي إيثيلين) أو السيراميك أو المعدن لتقليل الاحتكاك.
- الساق المعدنية (Stem): تُصنع من التيتانيوم أو الكوبالت-كروم، وتُثبت داخل عظمة الفخذ لتوفير الدعم والثبات. يتم تثبيتها إما باستخدام الأسمنت العظمي أو بدون أسمنت، حيث ينمو العظم حولها مع الوقت لتثبيتها.
خطوات العملية والمخاطر المحتملة
تُجرى العملية عادةً تحت التخدير الكلي أو النصفي، وتستغرق من ساعة إلى ساعتين. الخطوات الأساسية تتضمن:
- الوصول إلى المفصل: يقوم الجراح بعمل شق جراحي للوصول إلى مفصل الورك التالف.
- إزالة المفصل التالف: يتم إزالة رأس عظمة الفخذ والتجويف المتآكل.
- تثبيت الأجزاء الصناعية: تُثبت الأجزاء الجديدة في مكانها، مع ضمان ثباتها ودقة وضعها.
- إغلاق الجرح: يتم إغلاق الشق الجراحي.
المخاطر والمضاعفات المحتملة: بفضل التطورات الكبيرة في الجراحة، أصبحت المخاطر نادرة جداً، لكن يجب على المريض أن يكون على دراية بها، وتشمل:
- العدوى: يمكن أن تحدث العدوى في موقع الجرح أو حول المفصل المزروع.
- جلطات الأوردة العميقة (DVT): تُعد من أبرز المخاطر، ويتم الوقاية منها باستخدام الأدوية والتمارين.
- خلع المفصل الصناعي: يمكن أن يحدث في الفترة الأولى بعد الجراحة نتيجة لحركة خاطئة.
- تآكل أو ارتخاء الغرسة: مع مرور الوقت، قد يتآكل المفصل أو يرتخي، مما قد يستدعي جراحة أخرى.
فترة التعافي وإعادة التأهيل
تُعد مرحلة التعافي أساسية لنجاح عملية تغيير مفصل الحوض. يبدأ المريض بالمشي في اليوم التالي للعملية بمساعدة عكازات أو مشاية. يهدف العلاج الطبيعي المكثف إلى:
- استعادة نطاق الحركة الكامل للمفصل.
- تقوية العضلات المحيطة بالمفصل.
- تدريب المريض على المشي بشكل طبيعي.
معظم المرضى يعودون إلى أنشطتهم اليومية خلال 6 إلى 12 أسبوعاً، بينما يستغرق التعافي الكامل عدة أشهر. يُعتبر العمر الافتراضي للمفاصل الصناعية الحديثة طويل الأمد، حيث يتراوح بين 15 إلى 25 سنة، وقد يمتد لأكثر من ذلك.
أحدث التطورات في جراحة مفصل الحوض
- الجراحة الروبوتية: تُستخدم الروبوتات لزيادة دقة الجراحة، مما يقلل من الأخطاء البشرية ويضمن وضعاً مثالياً للغرسة.
- التقنيات الجراحية الميكروسكوبية: تُمكن الجراح من الوصول إلى المفصل من خلال شقوق أصغر، مما يقلل من النزيف والألم ويسرع من التعافي.
- تطوير المواد الحيوية: استخدام مواد جديدة مثل السيراميك والسيراميك عالي المتانة قلل من تآكل المفصل بشكل كبير، مما زاد من عمره الافتراضي.
خاتمة
تُعد عملية تغيير مفصل الحوض من أنجح التدخلات الجراحية التي يمكن أن تُغير حياة المريض. إنها توفر للمريض تخفيفاً ملحوظاً للألم واستعادة للحركة، مما يسمح له بالاستمتاع بحياة نشطة. النجاح لا يقتصر على الجراحة فقط، بل يعتمد على اختيار المريض المناسب، والتوقيت الصحيح، والالتزام ببرنامج التأهيل الدقيق بعد العملية.
لا تفوتك مقالاتنا عن فرق الطول بين الساقين (Leg Length Discrepancy)



