خلع مفصل الورك لدى أطفال الشلل الدماغي: دليل شامل للوقاية والعلاج
الدكتور محمود محمد عبدالله
خلع مفصل الورك لدى أطفال الشلل الدماغي: دليل شامل
يُعد خلع مفصل الورك أحد أخطر وأشهر المضاعفات الحركية التي تواجه الأطفال المصابين بالشلل الدماغي، خاصة في الحالات التي تتميز بزيادة التوتر العضلي (Spastic type). هذه المشكلة لا تؤثر فقط على قدرة الطفل على المشي أو الجلوس، بل قد تسبب آلاماً مزمنة وتشوهات دائمة إذا لم يتم التعامل معها في الوقت المناسب. إن التشخيص المبكر والتدخل العلاجي المناسب يمثلان حجر الزاوية في تقليل الإعاقة وتحسين جودة حياة هؤلاء الأطفال بشكل جذري. في هذا المقال، سنتناول كل جوانب هذه المشكلة، بدايةً من أسبابها وصولاً إلى أحدث خيارات التشخيص وعلاج خلع مفصل الورك لدى أطفال الشلل الدماغي.
خلع مفصل الورك
للتواصل واتساب
الآلية المرضية: كيف يحدث خلع مفصل الورك؟
تكمن المشكلة الأساسية وراء تطور خلع الورك لدى أطفال الشلل الدماغي في وجود خلل حاد في التوازن العضلي حول المفصل. في الحالة الطبيعية، تعمل العضلات المقربة (Adductors) والمبعدة (Abductors) بشكل متناغم للحفاظ على رأس عظمة الفخذ في مكانه داخل التجويف الحُقي (Acetabulum).
أما في حالة الشلل الدماغي، فإن التوتر العضلي المفرط (Spasticity) يسبب الآتي:
- زيادة قوة العضلات المقربة: تزداد قوة العضلات الموجودة في الجزء الداخلي للفخذ، مما يؤدي إلى شد مستمر وقوي على رأس عظمة الفخذ باتجاه الداخل والأعلى.
- ضعف العضلات المبعدة: في المقابل، تضعف العضلات الموجودة في الجزء الخارجي من الفخذ، والتي تُعد مسؤولة عن إبعاد الساق عن الجسم وتثبيت مفصل الورك.
هذا الخلل المستمر في التوازن العضلي يسبب زيادة قوة الشد باتجاه الداخل، مما يؤدي تدريجياً إلى دفع رأس عظمة الفخذ خارج مكانه الطبيعي. ومع نمو الطفل وغياب أي تدخل طبي، يتطور الوضع إلى انزلاق جزئي (تحت خلع أو Subluxation) ثم إلى خلع كامل للورك، مما يؤدي إلى تدمير تدريجي للمفصل.
عوامل الخطورة الرئيسية لتطور خلع الورك
هناك عدة عوامل تزيد من احتمالية تعرض الطفل المصاب بالشلل الدماغي لمشكلة خلع مفصل الورك:
- شدة الشلل الدماغي (مقياس GMFCS): تُعتبر هذه أهم عامل. الأطفال غير القادرين على المشي أو الذين يحتاجون إلى مساعدة كبيرة في الحركة (وفق نظام تصنيف GMFCS IV, V) هم الأكثر عرضة للإصابة، حيث أنهم لا يستخدمون عضلات الورك بشكل طبيعي.
- التشنجات والتوتر العضلي: كلما زادت حدة التشنجات العضلية (Spasticity)، زاد الضغط على مفصل الورك مما يُسرّع عملية الخلع. يجب السيطرة على التشنجات للحد من تطور خلع الورك لدى أطفال الشلل الدماغي.
- ضعف المتابعة الوقائية: عدم إجراء فحوصات دورية بالأشعة يُمكن أن يؤدي إلى تأخر اكتشاف المشكلة حتى تصل إلى مرحلة الخلع الكامل للورك التي يصعب علاجها.
- تأخر التدخل العلاجي: إهمال العلاج الطبيعي أو التدخلات البسيطة في المراحل الأولى يفاقم المشكلة بشكل كبير ويحول الانزلاق البسيط إلى خلع مفصل الورك بشكل كامل.
الأعراض والعلامات السريرية: اكتشاف خلع الورك
قد لا يكون خلع مفصل الورك مؤلماً في المراحل الأولى، مما يجعل اكتشافه صعباً على الأهل. لكن مع تقدم الحالة وتفاقم خلع الورك لدى أطفال الشلل الدماغي، تظهر أعراض واضحة تستدعي الانتباه:
- ألم في الورك أو الفخذ: غالباً ما يكون هذا هو العرض الأول الذي يدفع الأهل لاستشارة الطبيب، ويشير إلى أن خلع الورك أصبح مزمناً.
- صعوبة في الجلوس: يعاني الطفل من عدم القدرة على الجلوس بشكل مستقيم أو مريح، وقد يميل الجسم إلى أحد الجانبين.
- تقرحات جلدية: يمكن أن تظهر على منطقة الورك أو الفخذ نتيجة للوضعية غير الطبيعية والضغط المستمر.
- تحدد مدى الحركة: يلاحظ الأهل صعوبة في فتح ساقي الطفل (حركة Abduction)، وقد يرفض الطفل أي محاولة لفتح قدميه.
- فرق في طول الطرفين السفليين: في حالة الخلع الكامل، يُصبح الطرف المصاب أقصر من الطرف السليم بشكل واضح.
- صعوبة في تغيير الحفاض أو الملابس: يمكن أن يجد الأهل صعوبة في هذه المهام اليومية بسبب الوضعية الثابتة للمفصل.
التشخيص: أهمية الفحص والمتابعة الدورية
يعتمد تشخيص خلع مفصل الورك لدى أطفال الشلل الدماغي على مزيج من الفحص السريري والأشعة.
- الفحص السريري: يقوم الطبيب بتقييم مدى حركة الورك، ويلاحظ وجود أي فرق في طول الساقين، بالإضافة إلى تقييم وضعية الجلوس.
- الأشعة البسيطة (X-ray): تُعد الأداة التشخيصية الأساسية. تُستخدم لتقييم درجة تمركز رأس عظمة الفخذ في التجويف الحُقي باستخدام مقياس عالمي يُسمى “Reimer’s migration percentage”. هذا المقياس يساعد الطبيب على تحديد ما إذا كان الورك معرضاً للخطر أو قد بدأ بالفعل في الخروج من مكانه.
- برامج المراقبة الوقائية (Hip Surveillance Programs): تُعد هذه البرامج بمثابة خط الدفاع الأول ضد خلع الورك. تُوصي المنظمات الطبية العالمية بإجراء أشعة دورية للورك كل 6-12 شهراً للأطفال المصابين بالشلل الدماغي والمعرضين للخطر، وذلك لمتابعة حالة المفصل واكتشاف أي علامات مبكرة للانزلاق قبل أن يتطور إلى خلع كامل للورك.
خيارات العلاج المتاحة: من الوقاية إلى الجراحة
يعتمد مسار العلاج على عمر الطفل، وشدة الخلع، ومرحلة تطور خلع مفصل الورك.
1. الوقاية والعلاج غير الجراحي:
- العلاج الطبيعي: يساعد في تقليل التوتر العضلي وتحسين مرونة المفاصل.
- حقن البوتوكس (Botulinum Toxin): تُستخدم هذه الحقن في العضلات المقربة للورك للمساعدة على إرخائها وتقليل شدها، مما يخفف الضغط على مفصل الورك.
- برامج المراقبة الدورية: المراقبة المنتظمة بالأشعة جزء أساسي من الوقاية من خلع الورك.
2. التدخل الجراحي المبكر (Reconstructive Procedures):
يتم اللجوء إليه في المراحل المبكرة من الانزلاق لمنع تطوره إلى خلع كامل للورك.
- جراحات الأنسجة الرخوة: مثل قطع أوتار العضلات المقربة (Adductor tenotomy) أو القابضة (Iliopsoas release)، وهي عمليات تهدف إلى زيادة مدى حركة الورك وتقليل الشد.
- جراحات العظم: تُجرى في حالات الانزلاق المتقدم. الهدف منها هو إعادة رأس عظمة الفخذ إلى مكانه الطبيعي وتثبيته. من أمثلتها:
- قطع العظم الفخذي (Varus Derotation Osteotomy): يتم تغيير زاوية عظمة الفخذ لتوجيه رأسها بشكل أفضل نحو التجويف الحُقي.
- جراحات الحوض (Pelvic Osteotomies): مثل Dega أو Pemberton، تهدف إلى توسيع التجويف الحُقي وتعميقه ليحتضن رأس عظمة الفخذ بشكل أفضل.
3. التدخل في الحالات المتقدمة أو المؤلمة (Salvage Procedures):
في حال كان الخلع كاملاً وغير قابل للإصلاح، أو كان يسبب ألماً شديداً ومزمناً، يتم اللجوء إلى جراحات تهدف إلى تخفيف الألم وتحسين القدرة على الجلوس، مثل:
- استئصال الرأس الفخذية (Femoral Head Resection): يتم إزالة رأس عظمة الفخذ.
- جراحة Girdlestone: عملية تهدف إلى تخفيف الألم عن طريق إزالة جزء من مفصل الورك.
التوقعات المستقبلية (Prognosis)
خلع مفصل الورك لدى أطفال الشلل الدماغي يمثل مشكلة قابلة للوقاية إذا تم التشخيص المبكر والمتابعة المنتظمة.
- الاكتشاف والتدخل المبكر: يحمي المفصل من التدمير ويحافظ على القدرة الحركية للطفل، مما يمنعه من الشعور بالألم المزمن الناتج عن خلع الورك.
- التأخر في التشخيص: يؤدي إلى آلام حادة، تشوهات عظمية يصعب علاجها، وصعوبة في الجلوس والرعاية اليومية، مما يؤثر على جودة حياة الطفل والأسرة بأكملها.
لقد أثبتت برامج المراقبة الدورية للورك فعاليتها عالمياً في تقليل نسب الخلع الكامل للورك بشكل كبير، مما يؤكد أنها إستراتيجية أساسية لتقليل المضاعفات وتحسين نوعية الحياة بشكل فعّال لجميع أطفال الشلل الدماغي المعرضين للخطر.
لا تفوتك مقالاتنا عن دوران القدمين للداخل عند الأطفال (Intoeing): ، العلاج، والجلوس بوضعية W




