تقوس الساقين للخارج (Genu Valgum): الأسباب، التشخيص، ومتى تحتاج الركبة إلى جراحة؟
الدكتور محمود عبد الله
تقوس الساقين للخارج (Genu Valgum): فهم “ركبة X” والخيارات العلاجية
تقوس الساقين للخارج، المعروف طبياً باسم Genu Valgum، هو حالة شائعة في نمو الأطفال، تُوصف بأنها حالة تتصادم أو تتقارب فيها الركبتان بشكل كبير عند الوقوف مع استقامة الساقين، بينما تتباعد القدمان عن بعضهما بمسافة واضحة. يُطلق على هذه الحالة أحياناً اسم “ركبة X” بسبب الشكل الذي تتخذه الساقان عند النظر إليهما من الأمام. في حين أن هذا التقوس قد يكون جزءاً طبيعياً من مسار نمو الطفل، إلا أنه قد يكون في أحيان أخرى مؤشراً على مشكلة هيكلية أو أيضية تحتاج إلى علاج.

للتواصل واتساب
التفريق بين التقوس الفيزيولوجي والمرضي
من الضروري التفريق بين نوعي تقوس الساقين للخارج لتحديد الحاجة للعلاج:
- التقوس الفيزيولوجي (الطبيعي):
- يعتبر ظهور Genu Valgum في مرحلة عمرية معينة أمراً طبيعياً جداً، حيث يمر الأطفال بمراحل طبيعية من تقوس الساقين للداخل (Genu Varum) ثم للخارج (Genu Valgum) كجزء من نموهم.
- يبلغ التقوس ذروته عادةً حوالي سن 3-4 سنوات، ويبدأ في التصحيح التلقائي ليصبح مستقيماً عند سن 7-8 سنوات. في هذه الحالات، تكون المتابعة الدورية كافية.
- التقوس المرضي:
- يحدث عندما يكون الانحراف شديداً، أو يظهر في عمر غير طبيعي، أو لا يتحسن بعد سن 7-8 سنوات.
الأسباب المرضية لتقوس الساقين للخارج
عندما يكون التقوس مرضياً، فإنه غالباً ما يشير إلى مشكلة أساسية في العظام أو عملية الأيض:
- لين العظام (Rickets): السبب الأكثر أهمية، وينتج عن نقص مزمن في فيتامين د والكالسيوم والفسفور. هذا النقص يؤدي إلى ضعف في تمعدن العظام، مما يجعلها لينة وعرضة للتشوه تحت ضغط الوزن.
- اضطرابات النمو غير المتساوي: إصابات سابقة أو كسور في صفيحة النمو لمنطقة الركبة، مما يؤدي إلى نمو أحد جانبي العظم أسرع من الآخر.
- السمنة المفرطة: زيادة الوزن تزيد من الحمل الميكانيكي على الركبتين، مما يفاقم التقوس.
- الأمراض الوراثية: بعض الأمراض الوراثية النادرة التي تؤثر على نمو العظام والغضاريف (مثل بعض أشكال القزامة).
- التهاب المفاصل: بعض أنواع التهاب المفاصل في الطفولة قد تؤثر على محاذاة المفصل.
الأعراض والتشخيص الإكلينيكي
الأعراض:
- تلامس الركبتين: الميزة البارزة هي تقارب الركبتين مع وجود مسافة واضحة بين الكاحلين والقدمين عند وقوف الطفل بشكل مستقيم.
- الألم: ألم في الركبة أو الساق، خاصة بعد النشاط البدني الطويل.
- الإجهاد: إجهاد أسرع عند المشي أو الجري.
- تغير المشية: قد يطور الطفل مشية غير طبيعية لتعويض الانحراف.
التشخيص:
يتم التشخيص من خلال نهج متكامل:
- الفحص الإكلينيكي: يقوم الطبيب بقياس المسافة بين الكاحلين عند ضم الركبتين. كلما زادت هذه المسافة، زادت شدة التقوس.
- الأشعة السينية (X-ray): لتحديد الزاوية الدقيقة للانحراف (زاوية التقوس) وتحديد ما إذا كان السبب ناجماً عن مشكلة في صفيحة النمو.
- تحاليل الدم: ضرورية عند الاشتباه بـ لين العظام (Rickets) أو نقص التغذية، وتشمل قياس مستويات فيتامين د، الكالسيوم، والفسفور.
خيارات العلاج والوقاية من المضاعفات
يتم تصميم خطة العلاج بناءً على سبب التقوس ودرجته وعمر الطفل:
- المتابعة الدورية والتطمين: في حالات التقوس الفيزيولوجي البسيط عند الأطفال الصغار (أقل من 7 سنوات)، لا تحتاج الحالة إلى علاج، بل إلى المتابعة الدورية فقط.
- العلاج الغذائي والأيضي:
- إذا كان السبب هو لين العظام، فإن العلاج يكون بإعطاء مكملات فيتامين د والكالسيوم بجرعات علاجية مناسبة، مع تصحيح أي نقص غذائي. غالباً ما يؤدي هذا العلاج إلى تصحيح التقوس بشكل طبيعي مع استمرار النمو.
- التدخل الجراحي: يُلجأ إليه في الحالات التالية:
- التقوس الشديد الذي لا يتحسن بعد سن 8-10 سنوات.
- التقوس الناتج عن إصابات أو تشوهات عظمية واضحة.
- جراحة تعديل محور الساق (Osteotomy): يتم فيها قطع العظم وإعادة محاذاته لتصحيح الزاوية.
- تثبيت صفيحة النمو المؤقت (Guided Growth / Hemiepiphysiodesis): يتم تثبيت صفيحة معدنية صغيرة على جانب واحد من صفيحة النمو لإبطاء نموه، مما يسمح للجانب الآخر بمتابعة النمو وتصحيح التقوس تدريجياً.
- دور العلاج الطبيعي والدعامات: لا يوجد دور فعال للدعامات أو الجبائر في تصحيح تقوس الساقين للخارج، كما أن العلاج الطبيعي لا يصحح الزاوية العظمية لكنه قد يساعد في تقوية العضلات المحيطة.
المضاعفات والوقاية
إذا لم يُعالج التقوس الشديد، فإن المضاعفات قد تكون طويلة الأمد:
- خشونة الركبة المبكرة: يؤدي التقوس إلى توزيع غير متساوٍ للضغط على مفصل الركبة، مما يسبب تآكل الغضاريف وخشونة مبكرة في الركبة (Osteoarthritis).
- آلام مزمنة وصعوبة في الحركة والمشاركة في الأنشطة الرياضية.
الوقاية:
تتركز الوقاية بشكل رئيسي على معالجة الأسباب الغذائية:
- الاهتمام بالتغذية السليمة للأطفال، خاصة ضمان حصولهم على فيتامين د والكالسيوم.
- التعرض المعتدل والمنتظم لأشعة الشمس.
- المتابعة المبكرة لأي تغير في شكل الساقين أو طريقة المشي لدى الطفل.
خلاصة القول: تقوس الساقين للخارج يتطلب تشخيصاً دقيقاً لمعرفة ما إذا كان طبيعياً أو مرضياً. التدخل المبكر لتصحيح نقص فيتامين د أو اللجوء إلى الجراحة في الوقت المناسب يضمنان نمواً سليماً للساقين ويمنعان المضاعفات طويلة الأمد على مفصل الركبة.



