الانزلاق الغضروفي بالفقرات العنقية: ، الأعراض، وطرق العلاج
دكتور محمود عبد الله
الانزلاق الغضروفي بالفقرات العنقية: دليل شامل
يُعد الانزلاق الغضروفي بالفقرات العنقية (Cervical Disc Herniation) حالة مرضية شائعة تؤثر على آلاف الأشخاص حول العالم، وتُسبب ألماً قد يكون بسيطاً ومزعجاً أو شديداً ومعيقاً للحياة اليومية. تحدث هذه الحالة عندما يخرج جزء من الغضروف الموجود بين فقرات العمود الفقري في منطقة الرقبة عن مكانه الطبيعي، مما يسبب ضغطاً مباشراً على الأعصاب المجاورة أو حتى على الحبل الشوكي نفسه. إن فهم أسباب هذه المشكلة وأعراضها وطرق علاجها يُعد الخطوة الأولى نحو التعافي واستعادة جودة الحياة.

للتواصل واتساب
تشريح القرص الغضروفي: ما الذي يحدث تحديداً؟
القرص الغضروفي هو بنية مرنة تعمل كوسادة طبيعية لامتصاص الصدمات بين كل فقرتين من فقرات العمود الفقري. يتكون القرص من جزأين رئيسيين:
- النواة اللبية (Nucleus Pulposus): هي مادة هلامية تشبه “حشوة” القرص، وتُعد مسؤولة عن مرونة الغضروف وامتصاص الصدمات.
- الحلقة الليفية (Annulus Fibrosus): هي غلاف خارجي قوي يحيط بالنواة اللبية ويحميها ويثبتها في مكانها.
يحدث الانزلاق الغضروفي عندما تضعف الحلقة الليفية أو تتشقق نتيجة الإجهاد أو الإصابة، مما يسمح للنواة اللبية بالاندفاع إلى الخارج والضغط على الأعصاب المحيطة. يُعرف هذا بالضغط الجذري (Radiculopathy)، وفي الحالات الشديدة، قد يضغط على الحبل الشوكي نفسه.
أسباب حدوث الانزلاق الغضروفي العنقي
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى الانزلاق الغضروفي بالفقرات العنقية، وتتداخل غالباً لتُشكل عوامل خطر متعددة:
- التقدم في العمر: تُعد هذه أهم عامل. مع التقدم في السن، تفقد الأقراص الغضروفية محتواها المائي ومرونتها، وتصبح أكثر جفافاً وضعفاً وعرضة للتشقق والتمزق حتى مع الحركات البسيطة.
- الرضوض والحوادث: الإصابات المفاجئة، مثل حوادث السيارات أو السقوط، يمكن أن تسبب تمزقاً في الحلقة الليفية ودفعاً مفاجئاً للنواة اللبية إلى الخارج.
- الإجهاد المزمن والوضعية الخاطئة: تُعد هذه الأسباب شائعة جداً في العصر الحديث. الجلوس لفترات طويلة أمام الكمبيوتر أو استخدام الهاتف بوضعية انحناء الرقبة (ما يُعرف بـ “Tech Neck”) يضع ضغطاً هائلاً على الأقراص الغضروفية، مما يؤدي إلى تآكلها بمرور الوقت.
- ضعف العضلات الداعمة: عدم وجود عضلات قوية في الرقبة والظهر يؤدي إلى عدم وجود دعم كافٍ للعمود الفقري، مما يزيد من الضغط على الفقرات والأقراص.
- العوامل الوراثية: قد تزيد بعض العوامل الوراثية من استعداد الفرد للإصابة بضعف الأقراص الغضروفية.
الأعراض: من الألم البسيط إلى المشاكل الخطيرة
تختلف الأعراض بشكل كبير حسب مكان الانزلاق وشدة الضغط على الأعصاب أو الحبل الشوكي:
- الأعراض العصبية (Radiculopathy):
- ألم الرقبة والكتف: يُعد الألم في الرقبة هو العرض الأكثر شيوعاً، وغالباً ما يمتد إلى الكتف والذراع في مسار العصب المتأثر. قد يوصف الألم بأنه حاد، حارق، أو كهربائي.
- تنميل أو وخز: يشعر المريض بإحساس التنميل أو الوخز في مناطق معينة من الذراع أو اليد أو الأصابع.
- ضعف العضلات: قد يجد المريض صعوبة في الإمساك بالأشياء، أو يلاحظ ضعفاً في عضلات الذراع أو اليد، مما يؤثر على قدرته على أداء المهام اليومية.
- أعراض ضغط الحبل الشوكي (Myelopathy): تُعد هذه الحالات نادرة وأكثر خطورة، وتتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً. يحدث هذا عندما يضغط الغضروف على الحبل الشوكي نفسه. الأعراض تشمل:
- صعوبة في المشي وفقدان التوازن.
- ضعف في كلتا اليدين أو الساقين.
- تغير في خط الكتابة.
- فقدان التحكم في المثانة أو الأمعاء.
طرق التشخيص
لتشخيص الانزلاق الغضروفي العنقي بدقة، يعتمد الأطباء على عدة أدوات:
- الفحص الإكلينيكي: يقوم الطبيب بفحص المريض جسدياً، وتقييم مدى حركة الرقبة، وملاحظة وجود أي ضعف في العضلات أو تغير في ردود الأفعال العصبية.
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يُعد هذا الفحص هو الأداة التشخيصية الأهم والأكثر دقة. يمكنه أن يُظهر بوضوح القرص الغضروفي المنزلق، ودرجة ضغطه على الأعصاب، ووضع الحبل الشوكي.
- الأشعة السينية (X-ray): تُستخدم لبيان حالة عظام الفقرات واستبعاد الأسباب الأخرى للألم مثل الكسور أو خشونة المفاصل.
- الأشعة المقطعية (CT): قد تكون مفيدة في بعض الحالات لتقييم بنية العظام بشكل أكثر دقة.
خيارات العلاج: من التحفظي إلى الجراحي
تعتمد خطة العلاج على شدة الأعراض ونتائج التشخيص. في معظم الحالات، يبدأ الأطباء بالعلاج التحفظي:
- العلاج التحفظي (غير الجراحي):
- الراحة والأدوية: يُنصح بفترة قصيرة من الراحة، بالإضافة إلى تناول مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs)، ومسكنات الألم، ومرخيات العضلات.
- العلاج الطبيعي: برنامج تأهيلي متخصص يهدف إلى تقوية عضلات الرقبة والظهر، وتحسين المرونة، وتعليم المريض الوضعية الصحيحة.
- الحقن الموضعي: في بعض الحالات، يمكن حقن الكورتيزون في المنطقة المحيطة بالعصب لتقليل الالتهاب والألم بشكل مباشر.
- العلاج الجراحي: يتم التفكير في الجراحة فقط عندما تفشل الحلول التحفظية أو في الحالات التي تتطلب تدخلاً عاجلاً. أهم الأسباب التي تستدعي الجراحة هي:
- استمرار الألم الشديد والأعراض العصبية رغم العلاج غير الجراحي.
- وجود ضعف عصبي متزايد (مثل زيادة ضعف اليد أو الذراع).
- وجود ضغط على الحبل الشوكي (Myelopathy).
أنواع الجراحة الشائعة:
- استئصال الغضروف العنقي وتثبيت الفقرات (ACDF): يتم إزالة الغضروف المنزلق بالكامل وتثبيت الفقرات المتضررة معاً باستخدام شريحة معدنية ودعامات عظمية.
- استبدال القرص الصناعي (ADR): يتم إزالة الغضروف المنزلق واستبداله بقرص صناعي مصمم للسماح بالحركة، وذلك لتفادي تيبس الفقرات الذي قد ينتج عن عملية التثبيت.
الوقاية: حماية رقبتك
تُعد الوقاية هي الخطوة الأهم لتجنب الانزلاق الغضروفي بالفقرات العنقية. يمكنك حماية رقبتك باتباع هذه الإرشادات:
- الحفاظ على وضعية صحيحة: أثناء العمل على الكمبيوتر، تأكد أن شاشة العرض في مستوى العين وأن ظهرك مستقيم.
- ممارسة التمارين بانتظام: تمارين تقوية عضلات الرقبة والظهر تُعزز من قدرة عمودك الفقري على تحمل الضغط.
- تجنب الإجهاد: عند رفع الأجسام الثقيلة، استخدم ساقيك وظهرك، وتجنب رفعها باستخدام الرقبة.
- الحفاظ على وزن صحي: الوزن الزائد يضع ضغطاً إضافياً على كل مفاصل الجسم، بما في ذلك العمود الفقري.
خاتمة
الانزلاق الغضروفي بالفقرات العنقية حالة يمكن التعامل معها والسيطرة عليها. لا يقتصر العلاج على الجراحة، بل يبدأ من التشخيص المبكر، مروراً بالحلول التحفظية، وصولاً إلى التدخل الجراحي عند الضرورة. الاستشارة الطبية المتخصصة واتباع النصائح الوقائية هما مفتاح الحفاظ على صحة العمود الفقري والعيش حياة خالية من الألم.



