قطع الغضروف الهلالي للركبة: الأسباب، الأعراض، وخيارات العلاج
الدكتور محمود عبد الله

قطع الغضروف الهلالي للركبة: الأسباب، الأعراض، وخيارات العلاج المتقدمة
يُعد قطع الغضروف الهلالي للركبة (Meniscal Tear) من أكثر إصابات الركبة شيوعاً، سواء بين الرياضيين الشباب أو لدى كبار السن. يمثل الغضروف الهلالي جزءاً حيوياً من ميكانيكية الركبة، ويعتبر تلفه سبباً رئيسياً للألم والتدهور الوظيفي. فهم دوره، وآلية إصابته، والخيارات العلاجية المتاحة أمر بالغ الأهمية للحفاظ على صحة المفصل على المدى الطويل.

للتواصل واتساب
وظيفة الغضروف الهلالي والتركيب التشريحي
الغضاريف الهلالية هي تراكيب غضروفية ليفية على شكل هلال أو حرف “C” تقع بين عظمتي الفخذ (الفخذ) والساق (الظنبوب). الركبة تحتوي على غضروفين هلاليين:
- الغضروف الهلالي الداخلي (Medial Meniscus): يقع على الجانب الداخلي للركبة. نظراً لارتباطه القوي بالرباط الجانبي الإنسي (MCL)، يكون أقل حركة وأكثر عرضة للتمزق.
- الغضروف الهلالي الخارجي (Lateral Meniscus): يقع على الجانب الخارجي، وهو أكثر مرونة وحركة، ولذلك تكون إصابته أقل شيوعاً.
وظائف الغضاريف الهلالية:
- امتصاص الصدمات: تعمل كوسائد لحماية الأسطح العظمية من القوى الكبيرة المؤثرة على الركبة.
- توزيع الأحمال: تُوزع الحمل على المفصل بالتساوي، مما يمنع تركيز الضغط في نقطة واحدة ويحمي الغضروف المفصلي.
- تثبيت المفصل: تساعد في ثبات الركبة أثناء الحركة، خاصة عند الدوران.
أسباب وأنواع قطع الغضروف الهلالي
يحدث قطع الغضروف الهلالي عادة نتيجة آليتين مختلفتين بناءً على عمر المريض:
1. القطع الرضحي (Traumatic Tears):
تحدث في الغالب لدى الشباب والرياضيين، وتنتج عن إصابة حادة:
- آلية الإصابة: تحدث عادةً نتيجة حركة التواء مفاجئة في الركبة عندما تكون القدم مثبتة على الأرض (Foot Planted). هذا شائع في رياضات مثل كرة القدم، كرة السلة، والتنس.
- الإصابات المصاحبة: غالباً ما يترافق قطع الغضروف (خاصة الداخلي) مع قطع في الرباط الصليبي الأمامي (ACL) أو الرباط الجانبي الإنسي (MCL)، فيما يُعرف بـ “الثالوث التعيس”.
2. القطع التنكسي (Degenerative Tears):
تحدث في الغالب لدى كبار السن (أكثر من 40 عاماً):
- الآلية: مع التقدم في العمر ووجود خشونة مبكرة بالركبة، يفقد الغضروف محتواه المائي ومرونته ويصبح هشاً وضعيفاً. قد يحدث التمزق مع أقل إصابة، مثل الوقوف أو الجلوس بشكل مفاجئ.
أنواع القطع (بناءً على الشكل):
- قطع طولي (Longitudinal Tear): يحدث بشكل موازٍ لحافة الغضروف.
- قطع عرضي/شعاعي (Radial Tear): يمتد بشكل عمودي على حافة الغضروف.
- قطع على شكل مقبض الدلو (Bucket-Handle Tear): هو قطع طولي كبير ينفصل فيه جزء من الغضروف وينحشر في المفصل، مسبباً القفل المفصلي الشديد.
- قطع معقد (Complex Tear): يشمل أنواعاً متعددة من التمزقات.
الأعراض والتشخيص
تظهر أعراض قطع الغضروف بشكل نموذجي، وتساعد الطبيب على الشك في الإصابة:
- ألم مفصلي: يتركز الألم على طول خط المفصل (الجانب الداخلي أو الخارجي) ويزداد مع الأنشطة الحركية مثل المشي أو صعود/نزول الدرج.
- التورم (Effusion): يحدث تورم متكرر في الركبة نتيجة تجمع السائل المفصلي كاستجابة للالتهاب والتهيج الداخلي.
- القفل أو التيبس (Locking/Catching): هذا هو العرض الأكثر تميزاً ويدل على انحشار جزء من الغضروف الممزق بين عظام الفخذ والساق، مما يمنع المريض من مد أو ثني الركبة بالكامل.
- الشعور بعدم الثبات: قد يشعر المريض بأن ركبته “تتخلى عنه” أو غير ثابتة، خاصة إذا كان القطع كبيراً أو مصاحباً لإصابة في الأربطة.
طرق التشخيص:
- الفحص السريري: يختبر الطبيب الركبة بحركات خاصة لتقييم الألم والقفل، مثل اختبار ماك موراي (McMurray Test)، الذي يحاول فيه الطبيب تدوير الساق لقرص الغضروف وتحديد موقع التمزق.
- الأشعة السينية (X-ray): غالباً ما تكون طبيعية، لكنها تُستخدم لاستبعاد الكسور أو تقييم مدى خشونة المفصل.
- الرنين المغناطيسي (MRI): هو “الوسيلة الذهبية” والأكثر دقة لتشخيص قطع الغضروف الهلالي، حيث يوضح الأنسجة الرخوة بدقة ويحدد نوع ومكان التمزق، بالإضافة إلى الكشف عن أي إصابات أخرى مصاحبة (كالأربطة).
خيارات العلاج المتاحة
يعتمد قرار العلاج بشكل أساسي على عمر المريض، ونشاطه البدني، ومكان ونوع القطع، وحالة التروية الدموية للغضروف.
1. العلاج التحفظي (غير الجراحي):
يُستخدم في حالات القطوع الصغيرة، أو القطوع التنكسية غير المصحوبة بقفل، أو لدى كبار السن قليلي النشاط. ويشمل:
- بروتوكول R.I.C.E.: (الراحة، الثلج، الضغط، الرفع) لتقليل الألم والتورم.
- الأدوية: مضادات الالتهابات غير الستيرويدية (NSAIDs) لتخفيف الألم.
- العلاج الطبيعي: لتقوية عضلات الفخذ الأمامية (Quadriceps) والخلفية (Hamstrings) لزيادة ثبات الركبة.
2. العلاج الجراحي بالمنظار (Arthroscopic Surgery):
يُعد هو المعيار الذهبي لمعالجة القطوع التي تسبب القفل أو الأعراض المستمرة.
- خياطة الغضروف الهلالي (Meniscal Repair): هو الخيار الأفضل والأكثر تفضيلاً، ويُستخدم في حالات القطوع التي تقع في “المنطقة الحمراء” (الطرف الخارجي للغضروف)، حيث تكون التروية الدموية جيدة وتسمح بالتئام القطع. تُفضل الخياطة للحفاظ على وظيفة الغضروف الهلالي كاملة ومنع الخشونة المبكرة.
- استئصال جزئي للغضروف (Partial Meniscectomy): هو الإجراء الأكثر شيوعاً، ويُستخدم للقطوع التي تقع في “المنطقة البيضاء” (الداخلية)، حيث لا توجد تروية دموية ولا يمكن للقطع أن يلتئم. يتم إزالة الجزء الممزق فقط للحفاظ على أكبر قدر ممكن من وظيفة الغضروف.
المضاعفات والوقاية
المضاعفات المحتملة إذا لم يُعالج القطع: الخطر الأكبر المرتبط بـ قطع الغضروف الهلالي، خاصة إذا تم استئصال جزء كبير منه، هو زيادة الحمل على الغضروف المفصلي الآخر، مما يؤدي إلى خشونة الركبة المبكرة أو تسارع تدهورها.
الوقاية:
- تقوية العضلات: التركيز على تمارين تقوية عضلات الفخذين والساقين لزيادة ثبات الركبة.
- الإحماء والتمدد: إجراء تمارين إحماء مناسبة قبل ممارسة الرياضة.
- الوزن الصحي: الحفاظ على وزن صحي لتقليل الضغط الميكانيكي على الركبة.
- تقنيات الحركة: تعلم الهبوط الصحيح وتجنب الحركات الالتوائية المجهدة للركبة أثناء الأنشطة الرياضية.
خلاصة
قطع الغضروف الهلالي للركبة إصابة خطيرة تتطلب اهتماماً طبياً متخصصاً. الهدف من العلاج ليس فقط التخلص من الألم، بل هو الحفاظ على أكبر قدر ممكن من نسيج الغضروف الهلالي ووظيفته لضمان سلامة المفصل على المدى الطويل وتجنب التطور المبكر لخشونة الركبة. التشخيص الدقيق عن طريق الرنين المغناطيسي هو مفتاح اتخاذ القرار الصحيح بين الخياطة أو الاستئصال الجزئي.



