فرق الطول بين الساقين: الأسباب، الأعراض، وطرق الحديثة
دكتور محمود عبد الله
فرق الطول بين الساقين (Leg Length Discrepancy): دليل شامل
يُعد فرق الطول بين الساقين حالة طبية شائعة قد لا يلاحظها الكثيرون إذا كانت بسيطة، ولكنها قد تسبب مشاكل كبيرة في الحركة والوضعية إذا كانت شديدة. عندما تكون إحدى الساقين أطول أو أقصر من الأخرى، فإن ذلك يؤثر على توازن الجسم بالكامل، مما يضع ضغطاً غير متساوٍ على المفاصل، العمود الفقري، والعضلات. فهم هذه الحالة وأسبابها وأعراضها يُعد أمراً بالغ الأهمية لتجنب المضاعفات طويلة الأمد. في هذا المقال، سنتعمق في كل جوانب فرق الطول بين الساقين، بدايةً من أنواعه وأسبابه وصولاً إلى خيارات العلاج المتاحة.

أنواع فرق الطول بين الساقين
لا يُعتبر كل فرق في الطول بين الساقين متشابهاً، فهناك نوعان رئيسيان يختلفان في السبب وطريقة العلاج:
- فرق الطول البنيوي (Structural LLD): يحدث هذا النوع نتيجة اختلاف حقيقي في طول العظام، سواء كانت عظم الفخذ أو الساق (القصبة والشظية). عادة ما يكون هذا الاختلاف دائماً وواضحاً في القياس، ويُمكن أن ينشأ من مشاكل في النمو أو إصابات سابقة أثرت على صفيحة النمو.
- فرق الطول الوظيفي (Functional LLD): في هذه الحالة، يكون طول عظام الساقين متساوياً، ولكن تظهر إحدى الساقين أقصر بسبب مشاكل أخرى. على سبيل المثال، قد يحدث ميل في الحوض نتيجة شد عضلي أو تقلصات، أو قد تكون هناك مشكلة في مفصل الحوض أو القدم تسبب هذه الوضعية الخاطئة. هذا النوع من الفرق يُعرف أيضاً باسم “فرق الطول الظاهري”.
الأسباب الرئيسية لفرق الطول
تتعدد الأسباب المؤدية إلى فرق الطول بين الساقين، وتُصنف غالباً إلى أسباب خلقية وأخرى مكتسبة:
- أسباب خلقية (Congenital): يولد الطفل وهو يعاني من مشكلة في نمو أحد الأطراف. من أبرز الأمثلة على ذلك حالة تسمى “نقص تنسج الشظية” (Fibular Hemimelia)، حيث تكون عظمة الشظية أقصر أو غائبة، مما يؤدي إلى فرق واضح في الطول.
- أسباب مكتسبة (Acquired): تحدث هذه الحالات بعد الولادة وتُعتبر الأكثر شيوعاً، ومنها:
- الإصابات والكسور: إذا تعرضت صفيحة النمو (Growth Plate) في عظم الفخذ أو الساق لكسر، يمكن أن يتوقف نمو هذا الجزء من العظم أو ينمو ببطء شديد، مما يؤدي إلى فرق في الطول.
- الأمراض والمشاكل العظمية: يمكن لبعض الأمراض أن تؤثر على نمو العظام، مثل:
- الكساح (لين العظام): الذي يسبب ضعف العظام.
- الشلل الدماغي: الذي يؤدي إلى شد عضلي مزمن يعيق نمو العظام بشكل طبيعي.
- مرض بيرثز (Perthes Disease): الذي يسبب موت رأس عظمة الفخذ.
- الأورام: بعض أورام العظام الحميدة أو الخبيثة قد تؤثر على النمو الطبيعي للعظم.
- جراحات سابقة: قد تسبب بعض الجراحات في تثبيت الكسور أو إزالة جزء من العظم فرقاً في الطول.
الأعراض والمشاكل الصحية المترتبة على فرق الطول
كلما زاد فرق الطول بين الساقين، زادت الأعراض والمشاكل الصحية التي قد يواجهها المريض:
- العرج أثناء المشي: يُعد هذا العرض هو الأكثر وضوحاً، حيث يلاحظ الأهل أن طفلهم يعرج أثناء المشي.
- مشاكل في وضعية الجسم: يحاول الجسم بشكل طبيعي تعويض فرق الطول عن طريق ميل الحوض. هذا الميل قد يؤدي إلى انحناء في العمود الفقري (ما يُعرف بالجنف التعويضي أو Compensatory Scoliosis) وآلام مزمنة في أسفل الظهر والرقبة.
- آلام المفاصل: يسبب الفرق في الطول حملاً غير متساوٍ على المفاصل، مما يضع ضغطاً إضافياً على الركبة والورك والكاحل في الساق الأطول، وقد يؤدي إلى خشونة مبكرة في هذه المفاصل.
- إجهاد العضلات: تضطر عضلات الساق الأقصر إلى العمل بجهد أكبر لتعويض فرق الطول، مما يؤدي إلى الإجهاد والتشنجات.
تشخيص فرق الطول بين الساقين: دقة القياس
لتحديد فرق الطول بين الساقين بدقة، يعتمد الأطباء على مزيج من الفحص السريري والتصوير الطبي.
- الفحص السريري: يقوم الطبيب بقياس طول الساقين باستخدام شريط قياس خاص، من نقطة محددة في الحوض (ASIS) إلى الكاحل (Medial Malleolus). هذه الطريقة سريعة، ولكنها قد لا تكون دقيقة بما يكفي للحالات البسيطة.
- الأشعة السينية (Scanogram أو EOS): تُعد هذه الطريقة هي الأدق في تشخيص فرق الطول البنيوي. يتم أخذ صورة أشعة واحدة أو أكثر لكامل الساقين وهما في وضعية الوقوف، مما يسمح للطبيب بقياس الطول الفعلي لكل عظمة على حدة.
- الأشعة المقطعية: تُستخدم لتقييم التشوهات المعقدة في العظام والمفاصل.
خيارات العلاج: من التعويض البسيط إلى الجراحة
يعتمد العلاج المناسب بشكل كبير على مقدار فرق الطول بين الساقين وعمر المريض، خاصة إذا كان لا يزال في مرحلة النمو:
- فرق أقل من 2 سم: في هذه الحالات البسيطة، لا يحتاج المريض عادة إلى تدخل جراحي. يمكن استخدام فرش طبي أو كعب تعويضي داخل الحذاء لرفع الساق الأقصر، مما يوازن الحوض ويقلل الضغط على العمود الفقري.
- فرق بين 2 إلى 5 سم: يمكن تعويض هذا الفرق باستخدام أحذية طبية مخصصة أو كعب مرتفع، ولكن في بعض الحالات، قد يتم التفكير في التدخل الجراحي.
- فرق أكثر من 5 سم: في هذه الحالات، تُعتبر الجراحة هي الحل الأمثل. هناك عدة خيارات جراحية:
- إطالة العظام (Limb Lengthening): تُعتبر من أحدث التقنيات. يقوم الجراح بقطع العظم في الساق الأقصر، ثم يتم تثبيت جهاز خارجي (Ilizarov) أو مسمار داخلي متطور (PRECICE) يقوم بإطالة العظم تدريجياً وبشكل منتظم بمقدار صغير كل يوم، مما يسمح للعظم الجديد بالنمو في الفراغ.
- إيقاف نمو العظم الطويل (Epiphysiodesis): تُجرى هذه العملية للأطفال والمراهقين الذين لا يزالون في مرحلة النمو. تهدف العملية إلى إيقاف نمو صفيحة النمو في الساق الأطول، مما يسمح للساق الأقصر باللحاق بها مع مرور الوقت.
- تقصير العظم الطويل (Bone Shortening): يُلجأ إلى هذه العملية في حالات محددة عند البالغين، حيث يقوم الجراح بإزالة جزء من العظم في الساق الأطول لتتساوى مع الأخرى.
خاتمة
فرق الطول بين الساقين حالة شائعة وقابلة للعلاج. التشخيص المبكر والمتابعة مع طبيب العظام المتخصص ضروريان لتحديد نوع الفرق ومقدار تأثيره على الجسم. من خلال العلاج المناسب، سواء كان بسيطاً كفرش الحذاء أو معقداً كالجراحة، يمكن للمريض تجنب المشاكل المزمنة في الظهر والمفاصل واستعادة قدرته على المشي والحركة بشكل طبيعي.



