القدم السكري: الأسباب، الأعراض، وطرق الوقاية والعلاج
دكتور محمود عبد الله
القدم السكري: دليلك الشامل للوقاية والعلاج
تُعد القدم السكري (Diabetic Foot) واحدة من أخطر وأشهر المضاعفات المزمنة لمرض السكري. إنها ليست مجرد مشكلة في القدم، بل هي حالة طبية معقدة تنتج عن التغيرات المرضية التي تصيب الأوعية الدموية والأعصاب في الأطراف السفلية نتيجة ارتفاع مستويات السكر في الدم لفترات طويلة. تُعتبر القدم السكري السبب الرئيسي لدخول مرضى السكري للمستشفى، وتُعد السبب الأكثر شيوعاً لبتر الأطراف غير الناتجة عن حوادث السيارات. لهذا السبب، يُعد فهم هذه الحالة واتخاذ الإجراءات الوقائية أمراً حيوياً للحفاظ على صحة وسلامة القدمين.

للتواصل واتساب
الأسباب والآلية المرضية: ثلاثية الخطر
تُعتبر القدم السكري نتيجة لتفاعل ثلاثة عوامل رئيسية:
- الاعتلال العصبي السكري (Diabetic Neuropathy): يُعد هذا العامل هو حجر الزاوية في المشكلة. يؤدي ارتفاع السكر المزمن في الدم إلى تلف الأعصاب الطرفية، وخاصة أعصاب القدمين. يؤدي هذا التلف إلى فقدان الإحساس بالحرارة، والبرودة، والألم، والضغط. وبسبب هذا الفقدان، قد يتعرض المريض لجروح أو بثور أو حتى كسور دون أن يلاحظها، مما يجعل الإصابات تتفاقم وتتحول إلى قرح عميقة دون أي إنذار.
- اعتلال الأوعية الدموية الطرفية (Peripheral Arterial Disease): يُسرّع مرض السكري من عملية تصلب الشرايين (Atherosclerosis)، مما يؤدي إلى تضيق الأوعية الدموية في الساقين والقدمين. هذا التضيق يقلل من تدفق الدم المحمل بالأكسجين والمغذيات، مما يعيق بشكل كبير قدرة الجسم على التئام الجروح ومحاربة العدوى، ويجعل الأنسجة أكثر عرضة للموت.
- ضعف المناعة: يؤثر ارتفاع مستوى السكر في الدم سلباً على وظيفة الجهاز المناعي، وخاصة الخلايا المسؤولة عن محاربة البكتيريا والفطريات. هذا الضعف يجعل مريض السكري أكثر عرضة للعدوى، وعندما تحدث، يكون الجسم أقل قدرة على التغلب عليها، مما يجعل الالتهابات تنتشر بسرعة.
عوامل الخطر والأعراض: علامات يجب الانتباه لها
تتعدد عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية الإصابة بـ القدم السكري:
- سوء التحكم في مستوى السكر: يُعد هذا العامل هو الأهم على الإطلاق.
- التدخين: يفاقم من اعتلال الأوعية الدموية ويقلل تدفق الدم بشكل كبير.
- السمنة وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول: جميعها عوامل تزيد من خطر الإصابة بأمراض الأوعية الدموية.
- تاريخ سابق لقرح القدم أو بتر: يزيد بشكل كبير من احتمالية تكرار المشكلة.
الأعراض والعلامات الأولية:
- أعراض عصبية: شعور بالوخز، أو التنميل، أو الحرقان في القدمين.
- جفاف الجلد: قد يصبح الجلد جافاً ومتشققا، خاصة في منطقة الكعب.
- تغيرات في اللون والحرارة: قد تصبح القدم باردة أو حمراء اللون أو حتى مزرقة بسبب ضعف الدورة الدموية.
- الانتفاخ: تورم غير طبيعي في القدم أو الكاحل.
- ظهور قرح أو جروح: قد تظهر قرح لا تلتئم، خاصة في نقاط الضغط مثل باطن القدم أو تحت رؤوس الأصابع.
التشخيص والمضاعفات
يعتمد تشخيص القدم السكري على الفحص السريري الدقيق وبعض الفحوصات الطبية.
- الفحص السريري: يختبر الطبيب الإحساس في القدم باستخدام خيط مونوفيلامنت أو شوكة رنانة، ويتحسس النبض في القدم لتقييم الدورة الدموية.
- الفحوصات التصويرية: تُستخدم الأشعة السينية للكشف عن أي التهاب في العظام (Osteomyelitis)، وقد يُلجأ إلى الموجات فوق الصوتية أو تصوير الأوعية الدموية (Angiogram) لتقييم تدفق الدم.
- التحاليل المخبرية: تُجرى تحاليل لتقييم سكر الدم التراكمي (HbA1c) ومؤشرات العدوى.
المضاعفات الخطيرة:
- قرح القدم السكري: تُعتبر البداية لكل المضاعفات.
- التهاب العظم والنقي (Osteomyelitis): عدوى خطيرة تنتقل من القرحة إلى العظام.
- الغرغرينا (Gangrene): موت الأنسجة نتيجة عدم وصول الدم، وتُعد حالة طارئة.
- البتر (Amputation): في الحالات المتقدمة التي لا تستجيب للعلاج، قد يكون البتر هو الخيار الوحيد لإنقاذ حياة المريض من انتشار العدوى.
خطوات العلاج: خطة متكاملة
يتطلب علاج القدم السكري نهجاً متكاملاً يشمل عدة خطوات:
- التحكم في مستوى السكر: يُعد هذا هو الأساس. لا يمكن لأي علاج أن ينجح دون التحكم الصارم في مستوى السكر في الدم.
- العناية بالجروح والقرح:
- تخفيف الضغط (Offloading): أهم خطوة في العلاج. يتم استخدام أحذية خاصة، أو جبائر، أو حتى كراسي متحركة لمنع أي ضغط على القرحة والسماح لها بالشفاء.
- التنظيف وإزالة الأنسجة الميتة (Debridement): يقوم الطبيب بإزالة الأنسجة الميتة لتسريع عملية الشفاء.
- مكافحة العدوى:
- يتم استخدام المضادات الحيوية عن طريق الفم أو الوريد لعلاج العدوى.
- العلاج الجراحي:
- في حالات العدوى العميقة أو الغرغرينا، قد تكون الجراحة ضرورية لإزالة الأنسجة المصابة (Debridement)، وفي الحالات المتقدمة جداً، قد يتطلب الأمر البتر.
- إعادة التروية الدموية:
- في حالات قصور الشرايين، قد يُلجأ إلى جراحة القسطرة أو الجراحة التحويلية لتحسين تدفق الدم إلى القدم.
الوقاية: مفتاح النجاة
تُعد الوقاية هي الحل الأفضل لتجنب القدم السكري. يجب على كل مريض سكري الالتزام بهذه الإرشادات البسيطة والفعالة:
- الفحص اليومي: فحص القدمين يومياً بحثاً عن أي جروح، أو بثور، أو احمرار، أو تورم.
- النظافة: غسل القدمين يومياً وتجفيفهما جيداً، خاصة بين الأصابع.
- الترطيب: استخدام كريم مرطب لتجنب جفاف الجلد وتشققه.
- الأحذية المناسبة: ارتداء أحذية مريحة وواسعة، وتجنب الأحذية الضيقة أو ذات الكعب العالي.
- قص الأظافر: قص الأظافر بحرص وخط مستقيم لتجنب الجروح.
- تجنب التدخين: الإقلاع عن التدخين هو خطوة أساسية للحفاظ على صحة الأوعية الدموية.
- زيارة الطبيب: مراجعة الطبيب بانتظام لإجراء فحص شامل للقدمين.
خلاصة
إن القدم السكري ليست مجرد عرض، بل هي نتيجة لمضاعفات مرض السكري التي يمكن الوقاية منها. الوعي، والتحكم الصارم في السكر، والعناية اليومية بالقدمين، والفحص الدوري، هي العوامل الأساسية التي تُمكن مريض السكري من العيش حياة كاملة دون الخوف من هذه المضاعفة الخطيرة.



