إطالة الأوتار في حالات الشلل الدماغي: دليل شامل
دكتور محمود عبد الله
إطالة الأوتار في حالات الشلل الدماغي: دليل شامل
يُعد الشلل الدماغي (Cerebral Palsy) اضطراباً حركياً مزمناً ينتج عن إصابة في الدماغ تحدث عادةً قبل أو أثناء أو بعد الولادة مباشرة. من أبرز سمات هذه الحالة وجود تشنجات عضلية (spasticity)، وهي عبارة عن زيادة غير طبيعية في توتر العضلات. هذا الشد العضلي المستمر والمزمن يؤدي إلى قصر تدريجي في الأوتار والعضلات، مما يسبب تشوهات في المفاصل والعظام تعيق بشكل كبير قدرة الطفل على الحركة والمشي وتؤثر على جودة حياته اليومية.
تعتبر عملية إطالة الأوتار (Tendon Lengthening) إحدى الوسائل الجراحية الشائعة والفعالة لعلاج هذه التشوهات. تهدف هذه العملية إلى تصحيح القصر الناتج عن التشنج واستعادة طول العضلة الطبيعي، مما يسمح للطفل بتحقيق تحسن وظيفي ملموس.

الأهداف العلاجية لعملية إطالة الأوتار
تُعد جراحة إطالة الأوتار جزءاً من خطة علاجية شاملة، وتهدف إلى تحقيق عدة أهداف أساسية لتحسين الوظيفة الحركية للطفل:
- تصحيح التشوهات الحركية: تساهم العملية في تصحيح أنماط المشي غير الطبيعية، مثل المشي على أطراف الأصابع (toe-walking) أو المشي بوضعية الركبة المثنية (crouch gait) أو تقاطع الساقين (scissoring gait).
- تحسين القدرة على المشي والوقوف: بإزالة الشد المفرط، يستطيع الطفل الوقوف بشكل مستقيم والحفاظ على توازن أفضل أثناء المشي.
- تقليل الألم: الشد العضلي المزمن والوضعية غير الصحيحة للمفاصل يمكن أن تسبب ألماً شديداً ومزمناً، وتساعد الجراحة على تخفيف هذا الألم.
- تسهيل العناية الشخصية: تسهل عملية إطالة الأوتار ارتداء الأحذية والأجهزة التعويضية (orthoses)، وتُمكن الطفل من القيام بمهام يومية بسيطة مثل ارتداء الملابس أو الجلوس بشكل مريح.
- المساهمة في تحسين جودة الحياة: من خلال تحسين القدرة على الحركة والاستقلالية، تساهم العملية بشكل كبير في تعزيز ثقة الطفل بنفسه وتساعده على المشاركة بشكل أكبر في الأنشطة الاجتماعية.
أشهر الأوتار التي تُجرى لها عمليات الإطالة
تعتمد العملية على اختيار الأوتار الأكثر تأثراً بالتشنج. من أشهر الأوتار التي يتم التعامل معها جراحياً:
- وتر العرقوب (Achilles Tendon): يُعد هذا الوتر الأكثر شيوعاً الذي يُجرى له عملية إطالة. ينتج قصر هذا الوتر عن تشنج العضلة التوأمية (gastrocnemius) والعضلة النعلية (soleus) في ربلة الساق، مما يؤدي إلى مشي الطفل على أطراف أصابعه بشكل دائم. تهدف العملية إلى إطالة الوتر لتحسين وضع القدم ووضعها بشكل كامل على الأرض أثناء المشي.
- أوتار المأبض (Hamstrings): هي الأوتار الموجودة في الجزء الخلفي من الفخذ. عند قصرها، تسبب انكماشاً مزمناً في الركبة (crouch gait)، مما يجعل المشي صعباً ومرهقاً. تساهم إطالة هذه الأوتار في تحسين قدرة الطفل على فرد ركبته أثناء المشي والوقوف.
- العضلة المقربة للفخذ (Adductors): توجد هذه العضلات في الجزء الداخلي من الفخذ. عند تشنجها، تؤدي إلى تقارب الساقين بشكل مفرط، مما يسبب ما يُعرف بـ”المشي المقصي” (scissoring gait) حيث تتقاطع الساقان أثناء المشي. إطالة هذه الأوتار تساعد في تحسين اتزان المشي وتسهل على الطفل الوقوف بشكل مستقيم.
- العضلة الحرقفية القطنية (Iliopsoas): تُعد هذه العضلة المسؤولة عن ثني مفصل الورك. عند قصرها، يمكن أن تسبب انكماشاً في الورك، مما يؤثر على قدرة الطفل على الوقوف بشكل مستقيم ويزيد من الضغط على مفصل الورك، مما قد يؤدي إلى خطر خلع مفصل الورك.
الطرق الجراحية لإطالة الأوتار
تطورت التقنيات الجراحية لتصبح أكثر دقة وأقل تداخلاً. من أبرز هذه الطرق:
- الإطالة المفتوحة (Open Lengthening): تُعد الطريقة التقليدية، وتتضمن فتح جراحي مباشر فوق الوتر أو العضلة. يقوم الجراح بعمل شق طولي في الوتر ثم خياطته في وضعية أطول. تُستخدم هذه الطريقة في الحالات التي تتطلب تحكماً دقيقاً في مقدار الإطالة.
- الإطالة الجزئية أو على شكل حرف Z (Z-Plasty): تُعتبر هذه الطريقة شائعة جداً، وتتضمن عمل شقوق في الوتر على شكل حرف Z. يقوم الجراح بقطع الوتر بشكل جزئي ثم سحبه لإطالته، وأخيراً خياطته في موضعه الجديد. هذه التقنية تزيد من طول الوتر بشكل كبير مع الحفاظ على قوته ووظيفته.
- الإطالة عبر الجلد (Percutaneous Lengthening): هي تقنية حديثة وأقل تداخلاً. يقوم الجراح بعمل شقوق صغيرة جداً في الجلد (أقل من سنتيمتر) لإطالة الوتر باستخدام أدوات دقيقة. تُعتبر هذه الطريقة مفضلة لسرعة التعافي وتقليل الندوب، وتُستخدم بشكل خاص في الحالات البسيطة إلى المتوسطة.
مرحلة ما بعد الجراحة والتأهيل
إن نجاح عملية إطالة الأوتار لا يتوقف على الجراحة نفسها، بل يعتمد بشكل كبير على مرحلة التأهيل اللاحقة التي تُعد حاسمة للحفاظ على النتائج.
- العلاج الطبيعي (Physiotherapy): بعد الجراحة، يبدأ الطفل في برنامج علاج طبيعي مكثف يهدف إلى زيادة مدى الحركة في المفاصل ومنع عودة التشنج. تشمل التمارين:
- تمارين إطالة العضلات التي تم إطالتها.
- تمارين تقوية للعضلات الضعيفة.
- التدريب الحركي على المشي والوقوف.
- تمارين التوازن والتناسق.
- الأجهزة التقويمية (Orthoses): يُستخدم الأطباء الجبائر أو الأجهزة التقويمية مثل AFO (Ankle-Foot Orthosis) للحفاظ على المفاصل في وضعية صحيحة بعد العملية، خاصة أثناء الليل، مما يمنع عودة قصر الأوتار.
الخلاصة: أهمية التكامل بين الجراحة والتأهيل
تُعتبر إطالة الأوتار في حالات الشلل الدماغي حلاً جراحياً فعالاً لتصحيح التشوهات الحركية الناتجة عن التشنج المزمن. إن اختيار الوتر المناسب، وتحديد التوقيت الصحيح للجراحة، بالإضافة إلى الالتزام الكامل ببرنامج التأهيل بعد العملية، هي مفاتيح النجاح.
بفضل هذه العملية، يمكن للعديد من الأطفال استعادة جزء كبير من وظيفتهم الحركية، مما يمنحهم فرصة أكبر للحركة والاستقلالية، ويساهم بشكل مباشر في تحسين جودة حياتهم بشكل عام.
لا تفوتك مقالاتنا عن عمليات تغيير مفصل الحوض



